الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

سقوط دولة العسكر



بالرغم من ديكتاتورية العسكر الآن و تمسكهم بالسلطة المطلقة فى ادارة شئون البلاد و عدم وفائهم بوعودهم للشعب  و هى ان يسلموا السلطة للمدنيين بعد 6 شهور منذ توليهم ادارة البلاد الا ان اكبر نصرين حققتهما ثورتنا الشعبية هما انهاء التوريث و الغاء الحكم العسكرى فى مصر حيث تعهد العسكر بتسليم السلطة مدنياً لتسقط بذلك دولة العسكر التى قد بدأت فى مصر من بعد الانقلاب العسكرى الذى حدث فى 23 يوليو 1952 و حكمت الدول العربية بالعسكر تبعاً لمصر منذ هذا الانقلاب الذى لا شك فيه ان عصر الملكية البرلمانية بكافة عيوبه و مساوئه التى خلفها الاحتلال الانجليزى للبلاد كان افضل الف مرة من عصر حكم العسكر لمصر من بعد الانقلاب العسكرى , فقد كان حكم ديكتاتورى بوليسى مجبراً عليه الشعب و معجباً به الجهلاء و المصفقاتية من  سطاء الشعب . 


فلندع التاريخ يحكم بالعدل و لنقارن بين خروج الملك فاروق و خروج آخر حاكم عسكرى لمصر :


 1- خروج الملك : فى  يوم 26 يوليو سنة 1952 ،  غادر الملك فاروق مصر على اليخت الملكى ( المحروسة ) متجها الى منفاه وذلك بعد ان تنازل عن عرشه الى ابنه الامير احمد فؤاد ، وذلك بعد ان قام تنظيم مسمى بالضباط الاحرار نجح بتنظيم انقلاب مسلح نجح فى السيطره على الامور فى البلاد والسيطره على المرافق الحيوية فى البلاد ، ومن ثم فرض الجيش على الملك التنازل عن العرش لولى العهد الامير احمد فؤاد ومغادرة البلاد فى 26 يوليو 1952 .
واستجاب الملك فاروق لتلك المطالب حفاظا منه على ارواح الشعب المصرى مفضلا التنازل عن عرشه وعرش اجداده خوفا منه ان تسيل قطرة دم واحده من احد من افراد الشعب المصرى .
وقد رفض الملك فاروق ان يتدخل الحرس الملكى الخاص به للقضاء على ذلك التنظيم كما رفض ان يتدخل الانجليز ايضا لمساعدته ، حرصا منه على سلامه المصريين .


 2- خروج الفرعون مبارك آخر عسكرى حكم مصر : بعد مرور 18 يوما وبعد سقوط 846 شهيدا من ابناء مصر البرره مابين شباب واطفال ورجال ونساء وشيوخ ، ومايقرب من 6000 مصاب برصاص بلطجية وزبانية النظام الفاسد .
رضخ اخيرا الطاغية وقبل ان يرحل عن سدة الحكم , بعد ان سال دماء شعبه الذى طالما ادعى انه راعيا له محافظا عليه , بعد ان ابكى  الشعب المصرى على ابنائه ضحايا  تلك الثورة , بعد ان اخرج المساجين من سجونهم من اجل نشر الفوضى والفزع بين مواطنى ذلك البلد الذى تحمله على مدار ثلاثون عاما .
رحل بعد ان ترك بلطجيته وزبانيته يطلقون الرصاص الحى والمطاطى والقنابل المسيلة للدموع على ابناء وطنه الذى طالما ادعى انه حاميا له , بعد ان طلب منه الشعب الرحيل ، وان يفعل مثلما فعل الملك فاروق حينما فضل ترك عرشه حتى لايسيل دم مواطن واحد من ابناء مصر , رحل بعد ان تضخمت ثروته وثروة اسرته الى ان وصلت الى العديد من مليارات الدولارات , رحل بعد ان ولى مجلسه العسكرى لادارة شئون البلاد ليستمر حكم العسكر من بعده .

و هذه كانت شهادة من محمد نجيب سياسي وعسكري مصري و هو أول رئيس لمصر الجمهورية، لم يستمر في سدة الحكم سوى فترة قليلة بعد إعلان الجمهورية  حتى عزله مجلس قيادة الثورة ووضعوه تحت الإقامة الجبرية بعيداً عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة رغم تأكيد اللواء جمال حماد ـ أحد الضباط الأحرار ـ أن الحركة لم تكن لتنجح لولا انضمام اللواء محمد نجيب إليها لما كان له من سمعة طيبة في الجيش، ولما كان منصبه ذو أهمية إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذوو رتب صغيرة وغير معروفين.

تعلم محمد نجيب درسا من مصطفى النحاس, فقد أصدر الملك فؤاد قراره بحل البرلمان لأن أغلبية أعضائه كانوا من حزب الوفد الذي كان دائم الاصطدام بالملك فتخفى في ملابس خادم نوبي، وقفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس قال له : أنأ أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة، وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات، كان درسا هاما تعلم من خلاله الكثير حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، وهو الدرس الذي أراد تطبيقه بعد ذلك عام 1954.

بعد مرور عام على قيام الثورة تركزت كل الأضواء علي اللواء محمد نجيب باعتباره الرجل الذي أنقذ مصر من عهد الظلم والطغيان وأصبح أمل البلاد في تخليصها من الاستعمار البريطاني الجاثم علي صدرها منذ 1882... كانت صوره وخطبه تتصدر الصفحات الأولي من الجرائد والمجلات المصرية والعربية والأجنبية.

وبعد فترة ليست بالقصيرة بدأ بعض الضباط يحاولون أن يجنوا ثمار نجاح الانقلاب العسكرى ولو علي حساب المبادئ والأخلاق,, حتي شاع بين الناس أن الثورة المزعومة طردت ملك وجاءت بثلاثة عشر ملك.. يقول نجيب في كتابه "كنت رئيسا لمصر" : لقد خرج الجيش من الثكنات... وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلي الآن في مصر,, كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا..فأصبح لكل منهم "شلة" وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للانقلاب العسكرى ولا في القيام به".

لاحظ محمد نجيب بعض السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها بعض الضباط في حق الشعب الذي وثق بهم. فكان أول شيء فعله ضباط القيادة أنهم غيروا سياراتهم الجيب وركبوا سيارات الصالون الفاخرة

لم يكن هذا مجرد صراع علني علي السلطة بين اللواء محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة بل كانت الأزمة أكثر عمقا, كانت صراعا بين اتجاهين مختلفين اتجاه يطالب بالديمقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقا للمبدأ السادس للثورة او بالاصح بالانقلاب العسكرى و هو (إقامة حياة ديمقراطية سليمة)، وكان الاتجاه الآخر يصر علي تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة علي الصحف.
لهذا السبب فقط عزله جمال عبد الناصر و شلة قيادة الثورة , حتي يستأثروا بالحكم لأنفسهم و يجعلون مصر تركة خاصة لهم يخدعون فيها البسطاء من الشعب بأن هذه هي حياة الحرية التي لطالما تمنوها و عزلوا عن الحكم افضل
الرجل العسكري الوحيد بينهم الذى كان ينوى الوفاء بوعده مع الشعب و كان سيعيد مصر لحياة ديمقراطية سليمة . 


و يمكننا القول ان شجرة الديكتاتورية العسكرية العربية قد انبثقت من النظام العسكرى الناصرى والايديولوجيا السياسية التابعة له خلال فترة الخمسينيات بعد الانقلاب العسكرى وسيطرة الجيش على الحكم فى مصر ،حيث اسس عبد الناصر القاعدة والاسس الرئيسية لديكتاتورية الانظمة السياسية العربية عبر الخطاب السياسى الناصرى الذى يستند اساسا فى مجمله على مبادىء الدعاية السياسية والشعارات التى تبرر القمع والاستبداد المطلق  وعلى راسها شعارات القومية العربية الزائفة التى الغت الاحزاب فى العالم العربى وانتجت التخريب الشامل للحياة السياسية  حيث تركزت كافة السلطات فى يد الحاكم المطلق  وحده هذه الايديولوجيا الناصرية التى يهلل لها الكثير من القوميين الفاشيين العرب هى السبب الاول فى كافة الالنتكاسات والهزائم  السياسية والعسكرية والثقافية المتكررة للعالم العربى وقد اثبت التاريخ مدى فشل الناصرية التى ادت الى هزائم عسكرية منها 1956 و1967 وغيرها من الاخفاقات المتلاحقة  وقد افرزت الناصرية السياسية الكثير من نماذج الاستبداد السياسى منها نظام صدام حسين بالعراق الذى كان يعتبر جزء من النظام الناصرى  وفلسفة البعث القومى الفاشلة والتى اثبتت المتغيرات مدى فشلها ايضا حيث سقط نظام صدام وبقوة عام 2003 لانه كان يعتمد فقط على الخطاب الدعائى  والايديولوجيا الكلامية وخداع الشعب العراقى باوهام القومية والبعث والتحرر  وغيرها من مفاهيم الحرب الباردة وخلق نظرية المؤامرة  التى تصور للشعوب العربية ان الغرب يتربص بها  ومن ثم الهاء هذه الشعوب التى تمتاز بالغباء السياسى عن ممارسات النظام القائم  وافرزت التجربة القومية ايضا نظام البعث فى سوريا والتى قادها الشيشكلى والاسد حيث ادى الخطاب البعثى السورى الى ضياع الجولان عام 1967 فالخطاب القومى والبعثى  هو ايضا صاحب مقولة القاء اليهود فى البحر  وتفرعت شجرة الديكتاتورية العربية لتفرز نظام القذافى البائد فى ليبا وهو امتداد طبيعى للديكتاتورية التى تتميز بها الانظمة القومية الفاشلة  ولا يختلف خطابه السياسى عن الخطاب الناصرى والبعثى  مما ادى الى فشل مثل هذه الانظمة البالية فى التعامل مع متغيرات العلاقات الدولية  الراهنة  التى تعتمد على لغة الحوار  والمصالح المتبادلة اكثر من لغة الدعاية السياسية  التى اصبحت جزء من تراث الحرب الباردة ..   
 لذلك فان الثورات الشعبية العربية كانت هى السبيل الوحيد للتخلص من ديكتاتورية الانظمة العسكرية الفاشلة التى حكمتنا بالقهر و بالانقلابات العسكرية التى كان الشعب مرغماً عليها و متوهماً فى بعض الاحيان ان الانقلابات التى قام بها العسكر هى سبيل للتخلص من الاحتلالات الاجنبية فى بعض البلدان العربية الا انها كانت الاذرع الخفية للاحتلال لتخريب بلادنا و تدمير مواردها و احتلالها و حكمها حكم بوليسى قمعى يتميز بالغباء السياسى و الادارة الديكتاتورية المطلقة .

احمد صلاح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق