السبت، 10 ديسمبر 2011

الحدث الأعظم فى القرن العشرين .. سقوط الخلافة العثمانية


الحدث الأهم والأخطر في أوائل القرن العشرين، والمصاب الجلل الذي أصاب أمة الإسلام في العصر الحديث، ولم يكن هذا السقوط مفاجأة، أو نتاج موقف أو هزيمة طارئة، بل محصلة جهود متضافرة ممتدة لعشرات السنين اشترك فيها أطراف متباينة، منهم عدو حاقد، وطاعن حاسد، وعميل خائن، وشعوبي جاهل، ومفتون متغرب، ومسلم أحمق ساذج، وفي النهاية سقطت الخلافة العثمانية التي ظلت تؤرق مضاجع صليبي أوروبا لأكثر من ستة قرون.
يرجع أصل العثمانيين إلى القبائل التركمانية، ويعتبر الأمير «عثمان بن أرطغرل» مؤسس الدولة العثمانية سنة 699هـ، في منطقة الأناضول أو آسيا الصغرى، وقد مرت الدولة العثمانية بسبعة مراحل انتقلت بها من حال إلى حال كما يلي:


مرحلة النشأة والتكوين: من سنة 699هـ حتى سنة  805هـ:

وتناوب فيها أربعة سلاطين، أولهم عثمان الأول ورابعهم بايزيد الصاعقة، وحاولوا خلال هذه الفترة ترسيخ قواعد الدولة في الأناضول، وتوحيد الإمارات المتنافرة فيها، ثم الاتساع في أوروبا، ولكن هذه المرحلة اختتمت بصدمة تيمورلنك القاسية للدولة العثمانية في معركة سهل أنقرة سنة 805هـ، والتي انتهت بتفكك الدولة وعودتها إلى المربع رقم واحد مرة أخرى، وظلت متفرقة حتى سنة 816هـ.
مرحلة النهوض والفتح: من سنة 816 هـ حتى سنة 918هـ:
وفيها قامت الدولة من كبوة الاكتساح التيموري، وأخذت في النهوض من نفق التشرذم، واستعادت عافيتها، واتحد الأناضول مرة أخرى، وبدأت في التوسع على الجبهة الأوروبية في عهد مراد الثاني، ثم توجت تلك المرحلة بالفتح الأعظم للقسطنطينية سنة 857هـ، في عهد محمد الثاني الذي لقب بعدها بالفاتح، وقد بلغت الدولة في عهده مكانة عظيمة، وكان سقوط القسطنطينية يمثل خاتمة العصور الوسطى.



مرحلة الخلافة وأوج القوة: من سنة 918 هـ حتى سنة 974هـ:
وفيها تناوب عليها اثنان فقط من السلاطين «سليم الأول» وولده «سليمان القانوني»، وبلغت الدولة العثمانية أوج قوتها، وانتقلت من الدولة الإقليمية للخلافة الإسلامية، واتسعت لتشمل الجزيرة العربية والحجاز واليمن والمغرب العربي، وعلى الجبهة الأوروبية وصلت حتى بولندا والبلقان كله تقريبًا، ووصلت الجيوش العثمانية إلى أسوار فينيا، وسيطرت الدولة العثمانية بصورة شبه كاملة على البحار والمضايق، ولكن شهد هذا العصر بداية دخول اليهود واستوطانهم بأقاليم الخلافة، وبداية عصر الامتيازات الأجنبية، وكلا الأمرين سيكون له تأثير كبير في إضعاف الدولة العثمانية فيما بعد.
مرحلة الضعف الطويلة: من سنة 974هـ حتى سنة 1171هـ:
وفيها تناوب على الدولة خمسة عشر سلطانًا، أولهم سليم الثاني وآخرهم عثمان الثالث، وكانت السمة الغالبة لهذه المرحلة الطويلة «قرابة قرنين من الزمان» سيطرة قادة الجنود الإنكشارية على مقاليد الأمور، وامتداد أيديهم إلى الخلفاء بالعزل والتولية وحتى القتل، وقد قويت شوكتهم وكثرت ثوراتهم، وفسدت أخلاقهم بشدة، وأصبح بأسهم على الأمة بدلاً من عدوها، واتصفت هذه المرحلة بانحسار المد الجهادي في أوروبا، وظهور عدد من القوى الجديدة مثل روسيا والنمسا اللتين حملتا لواء محاربة الدولة العثمانية بصورة شبه دائمة، واتصفت هذه المرحلة أيضًا بكثرة الاتفاقيات مع الدول الأجنبية، والتي أصبحت قيدًا ثقيلاً بعد ذلك على الدولة العثمانية، كما كثرت الثورات الداخلية من ولاة الأقاليم الذين شعروا بضعف قبضة الخلافة عليهم، فثاروا بغية الاستقلال بما تحت أيديهم مثل ثورة أباظة باشا بالأناضول، وثورة فخر الدين المعنى بلبنان، وكان الذي ساعد على بقاء الدولة صامدة طوال فترة هذه المرحلة مع طولها وضعفها، وجود رجال أكفاء أقوياء في منصب الصدر الأعظم «رئيس الحكومة» أمثال محمد الصقلي، سنان باشا، آل كوبريلي.
مرحلة الانحطاط والتراجع: من سنة 1171هـ حتى سنة 1327هـ:
وتناوب فيها على حكم البلاد تسعة سلاطين، أولهم مصطفى الثالث وآخرهم عبد الحميد الثاني وهو أفضلهم وأعظمهم، وكانت هذه المرحلة امتدادًا طبيعيًا لمرحلة الضعف السابقة، والتي ترهلت فيها الدولة بشدة، وقد اتصفت هذه المرحلة بأمور هامة وخطيرة، منها: توحد الجهود الصليبية الأوروبية ضد الدولة العثمانية في صورة تحالف صليبي ظاهر وبين ، دخول المحافل الماسونية والأفكار العلمانية والتغريبية والقومية إلى بلاد الدولة العثمانية، كثرة الفتن الطائفية والعرقية في الشام واليونان والأرمن، ظهور الدعوة السلفية كطوق نجاة لإنقاذ المسلمين، ظهور أسرة محمد علي وما كان له من دور خطير في تمزيق الدولة العثمانية، ضياع معظم أجزاء الدولة العثمانية في آسيا الوسطى لصالح الروس، قيام فكرة القومية التركية أو الطورانية وفي مقابلها ظهرت القومية العربية، مما أدى لظهور حركة الاتحاد والترقي الماسونية، بداية محاولات اليهود لشراء فلسطين وتصدي السلطان العظيم عبد الحميد الثاني لهذه المحاولات، مما أدى لتآمر اليهود وصنائعهم عليه حتى عزلوه، وسيطرة حالة عامة من الهزيمة النفسية عند العثمانيين بسبب كثرة الهزائم والمؤامرات.
مرحلة حكم الاتحاد والترقي: من سنة 1328هـ حتى سنة 1340هـ:
وهي المرحلة التي بدأت فيها كل مجهودات أعداء الإسلام والدولة العثمانية تدخل حيز التنفيذ، ففي خلال اثنتي عشرة سنة فقط خسرت الدولة العثمانية كل ولاياتها في البلقان والعراق والشام وإفريقيا ودخلت الحرب العالمية الأولى بلا داع، خسرت فيها مئات الآلاف من الجنود، واندلعت ثورة الجزيرة العربية بزعامة أمير مكة المخدوع الشريف حسين، واحتلت إنجلترا فلسطين تمهيدًا لتقديمها غنيمة باردة لليهود.
مرحلة السقوط: من سنة 1340هـ حتى سنة 1342هـ:
وهي أقصر المراحل، إذ كان يقتصر دورها على العميل الخائن الذي سيطلق الرصاصة الأخيرة على قلب الدولة العثمانية المثخنة بالجراح والتي أصبحت في حالة الاحتضار، وهذه المرحلة التي لم تستمر سوى عامين، قام صنيعة الاستعمار الأوروبي، الرجل الخائن «أتاتورك»، في 27 رجب 1343هـ ـ 3 مارس 1924م بإعلان سقوط الخلافة العثمانية، وطرد بني عثمان من البلاد، وقيام الجمهورية العلمانية في أشد صور العلمنة شراسة، وقطع أي صلة مع الماضي والإسلام، وبذلك سقطت واحدة من أقوى وأطول الدول الإسلامية على مر تاريخ هذه الأمة.
ومن خلال هذا العرض السريع لتاريخ الدولة العثمانية بمراحلها المختلفة، يتضح لنا أن أسباب سقوط هذه الدولة العريقة ينقسم لأسباب داخلية وأخرى خارجية.
أولاً: الأسباب الداخلية:
(1) مخالفة شرع الله عز وجل، ومنهج الإسلام في الحياة، فعندما كانت الدولة العثمانية متمسكة بهذا المنهج الرباني، فتحت القسطنطينية، والبلقان، وتوسعت حتى بولندا، وعندما كانت العاطفة الإسلامية قوية ومتقدة، ظلت رايات الجهاد خفاقة، والعز والتمكين بإقامة شريعة الجهاد على الدوام، ولما فسدت الأخلاق وانحرفت النوايا، وحرص الكبير والصغير على الدنيا وجمع الأموال انهار الصرح العظيم.
(2) إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث والعلوم الشرعية.
(3) ترك القادة العسكريين يجاوزون مداهم ويتدخلون في شئون الحكم.
(4) نظام الحكم القائم على التخلص من أي شخص يمكن أن ينافس المرشح للخلافة.
(5) ترك الدعوة للإسلام في البلاد المفتوحة، والاكتفاء منها بالخضوع للدولة العثمانية، وقد مثلت هذه الشعوب قنابل موقوتة معدة للانفجار في الوقت المناسب.
(6) انتشار الطرق الصوفية، وما استتبع ذلك من شيوع البدع والانحرافات والخرافات، وفساد العقيدة، حتى اعتقد الناس في الحجر والشجر وحتى مدافع الميدان، كما حدث مع مدفع مراد الثاني في بغداد، والذي كان ينذر الناس إليه ويطوفون به، وقد ألف العلامة الألوسي رسالة أسماها «القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع».
(7) غياب العلماء والقادة الربانيين مما أدى لجمود الحالة العلمية وسد باب الاجتهاد والتعصب المذهبي.
(8) الترف والانغماس في الشهوات والزواج من الأجنبيات اللاتي يكون ولاؤهن لبلادهن الأصلية، وربما تآمروا على الدولة العثمانية كما حدث من الأفعى الروسية اليهودية «روكسلان».
ثانيًا: الأسباب الخارجية:
(1) الحروب الصليبية والتي لم تنقطع يومًا على مدار ستة قرون عمر مدة الدولة العثمانية، والتي أخذت في الازدياد والاشتداد بعد فتح القسطنطينية سنة 857هـ، وكان كرسي البابوية هو المسئول الأساسي وراء تحريك هذه الحروب، ومع ضعف الدولة العثمانية وتقدم أوروبا صناعيًا، ازدادت الحرب الصليبية شراسة وحدة، وفي هذا المقام نستحضر مقولة القائد الإنجليزي «اللنبي» عندما استولى على مدينة القدس سنة 1915م: «الآن انتهت الحروب الصليبية».
(2) العملاء والخونة وهم الطابور الخامس الذي قام أعداء الدولة العثمانية بإعدادهم ودسهم في صفوف الشعب، وبعضهم تبوأ مناصب هامة وحساسة، بل بعضهم وصل لمنصب الصدارة العظمى، أعلى منصب في الدولة العثمانية، وهؤلاء تولوا تدمير الدولة بالنيابة عن أعدائها، وما علي بك الكبير، محمد علي ، مدحت باشا، فخر الدين المعنى وأولاده، رشيد باشا، ورجال الاتحاد والترقي، إلا نماذج مختلفة من الذين خانوا الخلافة العثمانية الاسلامية، ويعتبر مصطفى كمال أتاتورك هو كبير هؤلاء الخونة والعملاء.
(3) نشاط الفرق المنحرفة، ومعظمها تم بذره وزرعه بأيدي خارجية، ومنها ما هو قديم أحسن أعداء الإسلام توظيفه واستخدامه مثل الشيعة بفرقها المختلفة، وعلى رأسها الاثنا عشرية والدروز والنصيرية، ولقد كانت الدولة الصفوية الشيعية أضر على المسلمين وعلى الدولة العثمانية من الصليبيين واليهود، وأيضًا كانت ثورات الدروز والنصيرين بلبنان والشام سببًا مباشرًا في إضعاف الدولة العثمانية.
وبالجملة فإن السبب الرئيسي لسقوط الدولة العثمانية هو تخليها عن أهم مقومات قيامها وبقائها وهو إعلاء كلمة الله بالجهاد في سبيل الله، وتنحية شرع الله عز وجل من كثير من مناحي الحياة، وعندها حق على الدولة القول، وبلغت أجلها المكتوب وعمرها المضروب، فانتهت وذهبت كما حدث مع الأمم السابقة وسبحان الحي الذي لا يموت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق